عملية ديمون والفوضى الدلالية لقناة الجزيرة..

عملية ديمون والفوضى الدلالية لقناة الجزير
تعيش وسائل الأعلام العربي بمجملها على أختلاف أشكالها ومظاهرها حالة من الفوضى الدلالاية التي تتجسد في عدم الأتفاق على اعطاء توصيف لفظي موحد لبعض الحوادث التي تحدث في هذا العالم , فالخطاب الأعلامي العربي الذي تملك أغلب مفاتيحه الحكومات العربية عاجز أشد العجز عن صنع مفردة موحدة تشكل بمثابة المصداق الحقيقي _ بلغة أهل المنطق _لمايحدث ومايجرى على أرض الواقع .
وما حدث يوم الأثنين المصادف 4_شباط _2008 في اسرائيل عندما حصلت عملية ديمونة مثال صارخ لما أريد توضيحه في مقالتي هذه , فقناة الجزيرة الفضائية التي تُعد من رواد الأعلام في العالم العربي مهما أختلف البعض في تقييمهم لها وخصوصاً في محاباتها لنظام الحكم في قطر وعدم نقدها له ولا للقاعدة الأمريكية الضخمة فيها , أقول أن هذه القناة مع ملحقاتها قد وقعت في تخبط دلالي واضح حول هذا العملية التي توصف بالأرهابية عند اسرائيل وامريكا والأنتحارية عند من يتحفظ عليها أو الأستشهادية والفدائية عند مؤيديها ومن يرونها حقاً مكفولاً من خلال الشرع والقانون الأنساني .
ويلاحظ المراقب الأعلامي أنه بعد حصول هذه العملية , أن فضائية الجزيرة العربية فقد كتبت في الشريط الأخباري الذي يمر أسفل الشاشة اثناء عرض البرامج مايلي :
3 قتلى و15 جريح في عملية فدائية في جنوب اسرائيل.....
ثم أعقبه خبر يقول :
محمود عباس يدين العملية الفدائية في ديمونة....
كما أن موقع قناة الجزيرة العربي على الأنترنيت http://www.aljazeera.net قد ذكر الخبر أيضاً وقال:
تبنت عدة فصائل فلسطينية العملية الفدائية التي وقعت ببلدة ديمونة جنوبي إسرائيل قبل ظهر اليوم وخلفت ثلاثة قتلى على الأقل ونحو عشرة جرحى.
والأمر لحد الأن سليم ومتسق شكلاً ومضموناً مع التيار الذي يحكم قناة الجزيرة والمنهج الذي تسير أحياناً عليه وسياقات العمل المفترض فيها , ولكن لو كان الأمر عند هذا الحد لما كان هنالك تناقض وفوضى دلالية كما أشرت لها أعلاه , حيث المفاجأة حدثت لي بالنسبة لفضائية الجزيرة الأنكليزية والتي من المفروض منطقياً أن تكون الوجه الأخر المتماثل لفضائية الجزيرة العربية , بل نسخة الجزيرة العربية لكن باللغة الأنكليزية .فالوصف الخبري لعملية ديمونة في الجزيرة الأنكليزية يجب أن يكون مماثل لوصفها في اللغة العربية , ولكن الذي حصل هو العكس !!!
أن قناة الجزيرة الأنكليزية قد وصفت الخبر ب suicide bomber ولم تصفه بالفدائي او الأستشهادي كما من المفروض ان تفعله انسياقا وراء منهجها اولاً ومع نظيرتها العربية ثانياً!!!, حيث كتبت في الشريط الأخباري لقناة الجزيرة الأنكليزية مايلي :
1 woman & 2 bombers killed in bombing suicide in Israel

وأيضاً
Three groups claim suicide attack in Israel.

وفي الواقع كان من المفروض والواجب على قناة الجزيرة الأنكليزية ان تستخدم عبارة Martyrdom operation في وصف عملية ديمونة حتى تكون متسقة مع توجهها وايديولوجيتها فضلاً عن عدم تناقضها مع ماورد من وصف لهذه العملية في قناة الجزيرة العربية.
هذا التناقض مثلاً لم نلاحظة في قناة العربية التي وصفت عملية ديمونة بالتفجير الأنتحاري كما وصفتها في موقعها في اللغة الأنكليزية ب suicide bomber بينما نلاحظ تناقضاتها وتخبطاتها في الوصف الذي تعطيه للعمليات التفجيرية في العراق حيث تصفها قناة العربية بالأنتحارية بينما تصف نظيراتها في بلدان اخرى كالجزائر بالأرهابية وهذا موضوع سوف نناقشه لاحقاً في مقال أخر .
ويبدو أن تناقض الجزيرة الأنكليزية مع نظيرتها الجزيرة العربية أمر ليس اعتباطياً أو خاضع للخطأ وعدم الدقة في وصف الخبر بل يعود الى أحد الأحتمالين :
الأول: أن الجناح الذي يقود قناة الجزيرة الأنكليزية يتمتع بالأستقلالية عن الجزيرة العربية وهو لايؤمن بوصف هذه العملية بالأستشهادية وهو جزء من اجنحة قناة الجزيرة المختلفة التي تترواح بين مؤيد للفكر القومي أو للايديولوجية الأصولية المتشددة أو لحزب الله الشيعي أو لأطروحات الفكر العلماني !!!
الثاني: ان الجزيرة الأنكليزية تؤمن ايديولوجياً أن هذه العملية هي عملية أستشهادية او فدائية الأ أنها تستحي وتخجل من وصف العملية بذلك أمام الرأي العام الغربي تحسباً من ردة الفعل التي يمكن أن تحدث ضدها من متابعيها في العالم الغربي خصوصاً وأن هذا العالم الناطق باللغة الأنكليزية يؤمن بالأجماع على ان اي عملية تفجيرية ضد المدنيين هي عملية أرهابية سواء كانت في فلسطين أو العراق أو اسرائيل او اي دولة اخرى !!!